الفرق بين الشعر المطبوع والشعر المصنوع







المفارقة الاصطلاحية
إنّ مصطلح الطبع والصنعة، من المفاهيم النّقدية والبلاغية، التي رافقت عملية الإبداع الشعري، وحاولت تحديد معالمها وضبط أسسها، وأصبح هذا المصطلح وسيلة النقد وغايته، في الحكم على الشعر، من حيث جودته أو رداءته. بذلك فإنّ الطبع والصنعة يشيران معاً إلى المذهب الجمالي في الكتابة ـ علماً أنّ النقد في أوّل نشأته احتضنه الشّعراء والمتذوقون من عامّة النّاس، فلم يتحوّل هذا المفهوم إلى مصطلح نقدي ـ وهذا المذهب يسع الإبداع، بما يتضمنه من قواعد وإجراءات وشروط وأحكام، تعبّر جميعها عن نوعية التذوق والفهم، وفقاً لثقافة النّاقد ومدركات جهازه المعرفي والأدبي، وأثر ذلك كلّه في توجيه القراءة النّقدية. مع الإشارة إلى ذلك التّوهم الذي طبع إحساسات النّقاد باحتواء معرفة الشعر، والقدرة على تحليله ووصفه، في ضوء التصنيف النسبي للشعر والشعراء استناداً إلى هذا التوهم. وهو تصنيف، تنعدم فيه المنهجية والدّقة والتنظيم، لأنّ منطلقه الاحتكام إلى الذوق في تقويم إشكالية الطبع والصنعة، وهي إشكالية، لا تقدم في جوهرها إجابات حاسمة ونهائية، لقضية، ظلت مبهمة، بسبب اتصالها العضوي بالخطاب الشعري في مستوياته المختلفة والمتداخلة.
والالتزام بمصطلح الطبع والصنعة، مردّه إلى أنّ هذه التسمية المكررة والمتداولة، هي التي ارتضاها التراث النقدي والبلاغي، وتواضع عليها، وقوم من خلالها الشعر في شقّيه الشّكلي والدّلالي. وهو تقويم، يفتقر في أحايين كثيرة إلى الضبط العلمي، لعدم خلوّه من أثر العاطفة، في الميل إلى شاعر معيّن، أو إلى نص ما، أو عصر أدبي مخصوص. في حين أنّ المصطلح بطبيعته، لا يولد هكذا، بل إنّه يجنح نحو الدّقة، لأنّه نتاج الفكر والمعرفة والوعي.
وهناك مشكلات نقدية شائكة، أثارها النّقاد القدامى، وقاسوا في أثنائها الشعر الجيّد، الذي يروق ويتمكّن، مثل قضايا اللّفظ والمعنى، السرقات الشعرية، ولغة الشعر، وكيفيات صياغته ونظمه، دلالاته ومرجعياته المختلفة، الصورة الشعرية ومعايير تشكّلها سهولةً وتعقيداً، استجابات المتلقي، سامعاً أم قارئاً.
إنّ هذه القضايا مجتمعة، وما يتفرع عنها من أبحاث أخرى، أخضعها النّقاد في شفاهية الشعر وكتابيته، إلى معيار الطبع والصنعة، فإلى هذا المعيار تنتسب كلّ هذه القضايا، وبه تصدر الأحكام، في تماثلها أو تعارضها وتباينها.
إنّ الطبع والصنعة، يعدّان حقيقة نقدية عرفية، تحوّلت بفعل إخضاع النّصوص إلى المعالجة، إلى رموز استدلالية، أضحى فيهما التناظر المتواري في ثناياهما، دلالياً. فإنّ الشعر بطبيعته ينجذب إلى أمرين محوريين، هما: العادة، وخرق العادة. وأنّ العادي، غالباً ما يفسرّ بأنّه البسيط والواضح. لكنّه يؤكّد التفوق والابتكار في أحكام النّقد الذّوقي، ويمثل قوّة ذات أثر، لأنّه في منطقه، مرجعية الأنموذج والأصل، لمفردات الطبيعة والكون والإنسان. بينما خرق العادة، يمثل خروجاً قصدياً على المألوف، غرضه عدم فاعلية السائد، ممّا يستدعي إلغاءه.

تعليقات